الثلاثاء، 23 أبريل 2013

العمل (عاليه المطيري)

العمل
معنىً من معاني الحياة الإنسانية، يتخذ منه الإنسان سبباً لرزقه ومظهراً 
للتعبير عن نشاطه وإسهامه في حركة الحياة، وهو يتسع في شموليته ليشمل كل ما
يصدر عن الإنسان من فعل، ويضيق في خصوصيته ليقتصر على مهنة الإنسان التي 
يسهم بها في بناء مجتمعه، بحيث أنك لو سألت أحدهم قائلاً له ماذا تعمل ؟ 
لأجابك على الفور بنوع مهنته قائلاُ مثلاً: موظف أو معلم أو تاجر أو طبيب 
..... إلى غير ذلك من المهن، وإذا كانت الأعمال تختلف في نوعيتها من شخص 
لآخر فالذي يعنينا في هذا الموضوع هو كيفية أداء هذه الأعمال ؟! هل هي على 
وجه الإتقان والإحسان أم على وجه التقصير والإهمال ؟!
إن شريعتنا الإسلامية من ضمن ما تأمرنا به، تأمرنا بإتقان العمل، وهي في 
حديثها عنه لا تجعله أمراً دنيوياً تبتغى منه منفعة عاجلة فحسب، بل تجعله 
أيضاً أمراً تعبدياً يتقرب به إلى الله تعالى، قال (ص) : " إن الله يحب إذا
عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " (1) .
ولو دققت معي في ألفاظ الحديث الشريف لوجدت في قوله (ص) : " عملاً " هكذا 
من دون تعريف ولا تحديد لنوع العمل، إيحاء بأن الله تعالى يحب أن يكون 
الإتقان سلوكاً للمؤمن في كل أعماله، فهو يحسن القيام بمهنته وعباداته 
ومعاملاته وهذا ما تؤكده الأحاديث الشريفة الأخرى مثل قوله (ص) : "إن الله 
كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا 
الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" (2) وقد أمرنا القرآن الكريم 
بالإحسان في قوله تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ... ) النحل: 90 ،
وقوله تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )البقرة: 195 .
ومن المؤسف أننا نجد بعض المسلمين يهملون العمل بهذه الوصية، مستهينين بمعناها وأثرها في رقي المجتمع وسعادته، حجتهم في ذلك الربط بين إتقان العمل
والمقابل المادي، يتحينون فرصة غياب الرقابة الإدارية لإبداء التقصير 
والتهاون في أداء الواجبات، يرهقون المواطن البسيط بإبداء الإهمال في 
خدمته، معتقدين خطأً أن لا حرج عليهم ولا تثريب، ولو دقق هؤلاء الغير 
متقنين لأعمالهم لأدركوا أن غياب الإتقان والإحسان في العمل يؤثر على هؤلاء الأشخاص أنفسهم قبل غيرهم، فكم كان إتقان العمل
سبباً في ارتقاء الموظف في وظيفته، أو إكساب الطبيب أو المعلم سمعة طيبة 
بين الناس، ولا زال بعض الصنّاع يتقنون صناعتهم حتى حصلت على إقبال الناس 
وثنائهم في بلدهم ثم خارجها، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن بعض الصناعات قد 
حصلت على شهرة عالمية، حيث يقبل الناس عليها حيثما بيعت، ويهونون في سبيلها
أموالهم وهم مرتاحون وما ذلك إلا لجودة الصناعة والإتقان، هذا إذا كنا لا 
ننظر إلا إلى المنفعة العاجلة .
أما إذا نظرنا إلى العمل
على أنه جزء من العبادة فإننا نتساءل هل يجوز لنا أن نغش في أعمالنا ؟ هل 
الأمر بالإتقان والإحسان على وجه الاستحباب لا الوجوب ؟ نقول: لا ، الخطب
أعظم من ذلك .. إن غش المسلم لأخيه في بضاعة أو عمل قد يخرجه من جماعة 
المسلمين لقوله (ص) لبائع يغش في بضاعته: "من غشنا فليس منا" !! (3) ، 
سيؤدى إلى فقدان الثقة والاحترام بين أفراد المجتمع، سيؤدي إلى انتشار 
الكذب والخداع، ستنفصم بسببه كثير من الروابط الاجتماعية التي تقوي الأمة، 
سيتجرأ بعضنا على بعض بالسب والشتم وربما الدعاء بالشر ... كثير من البلبلة
والتخبط الذي نراه في حياتنا اليومية يرجع إلى عدم قيام بعضنا بعمله على 
الوجه المطلوب منه ... 
لذلك أخي المسلم أدي عملك بإتقان وأحسن القيام بما أسند إليك من مهام حتى 
وإن غفل عنك المسئولون ، حتى وإن لم يكافئك أرباب العمل، حتى وإن كان 
الراتب زهيداً لأنك بإتقانك هذا تعمل ما يحبه الله تعالى، "إن الله يحب إذا
عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ، وما دام الله تعالى مطلعاً عليك فاطمئن لأنه 
هو القائل: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) الرحمن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق